Posted by: naneeshussien | جانفي 5, 2013

إما أن نتكيف أو نموت

2بقلم : مايكل سبنس                                               

في الأسواق الناشئة السريعة النمو ، عمل مزيج من القوى الاقتصادية الداخلية، والسياسات الداعمة، والطبيعة المتحولة للاقتصاد العالمي ، كمحرك لتغيير بالغ السرعة وبعيد المدى. وهناك تطرأ التحولات على البُنى الاقتصادية بسرعة إلى الحد الذي يجعل من المستحيل ألا نلاحظ تلك التحولات، ولو أن التعقيد المحيط بهذه التغيرات قد يكون محيراً في بعض الأحيان.

وفي هذه البيئة المائعة ، تُرتَكَب الأخطاء على نحو متكرر ، ويزعم البعض أن التشبث باستراتيجية نمو ناجحة واحدة لفترة أطول مما ينبغي يُعَد أشد هذه الأخطاء ضررا (تركيبة تتألف من المزايا النسبية والسياسات الداعمة). ففي القطاع الاقتصادي القابل للتداول ، تتسم المزايا النسبية بالتحول الدائم، الأمر الذي يؤدي إلى التغيرات البنيوية والتدمير الخلاق. والبلدان الخاضعة للتحول من حالة الدولة الفقيرة إلى حالة الدولة ذات الدخل المتوسط كثيراً ما تحاول مقاومة هذه التغيرات، ولكن هذه المقاومة من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ النمو، إن لم يكن توقفه بالكامل.

وفي حين يحرك القطاع الخاص (المحلي والخارجي) هذه التحولات، فإن السياسات الحكومية وأنماط الاستثمار في القطاع العام تلعب دوراً أساسياً في دعم هذه التحولات وتكميلها. وينبغي لهذا الدور أيضاً أن يتكيف. إن الإطار السياسي الذي أثبت قدرته على خدمة الاقتصادات الناشئة الرئيسية على أفضل وجه هو ذلك الإطار الذي لا يركز على الاستقرار الكلي والنقدي فحسب، بل ويركز أيضاً على التكيف، مسترشداً في ذلك بتقييم ذي نظرة مستقبلية (ولو أنه غير كامل بطبيعته) للتحولات البنيوية الجزئية والكلية المقبلة والتدابير اللازمة لدعمها.

ولكن ماذا عن البلدان المتقدمة الضخمة؟ لأسباب تاريخية، تتسم العقلية السياسية بقدر أقل من المرونة والقابلية للتكيف. فالتغيرات البنيوية يُنظَر إليها وكأنها تدخل في دائرة اختصاص القطاع الخاص فقط، وهي بالتالي لا تشكل جزءاً رئيسياً من التفكير السياسي الطويل الأمد. ففي مرحلة ما بعد الحرب، وحتى وقت قريب ، كانت الاقتصادات المتقدمة تهيمن على الاقتصاد العالمي. وكان تأثير الاقتصادات الناشئة عليها ضئيلاً نسبيا، كما كان لزاماً عليها أن تستجيب بالشكل الوافي للتغيرات البنيوية السريعة الطارئة على الاقتصاد العالمي.

وثمة مثال صغير: في الثامن من تموز (يوليو)، بعد صدور التقرير المخيب للآمال عن تشغيل العمالة أخيراً في الولايات المتحدة، أعرب الرئيس أوباما عن رأي شائع إلى حد كبير ومفاده أن الاتفاق على سقف للديون وتقليص العجز من شأنه أن يزيل الشكوك التي تعيق الاستثمار التجاري والنمو وتشغيل العمالة. بعبارة أخرى، فإن المشكلات المالية التي تعانيها أمريكا تفسر التعافي الاقتصادي البالغ الضعف هناك. وبمجرد إتمام صفقة ضريبية مالية، فسوف يكون بوسع الحكومة أن تتنحى جانباً، وأن تسمح للقطاع الخاص بدفع التغيرات البنيوية المطلوبة لاستعادة نمط النمو الشامل.

ولكي نكون منصفين، فهناك استثناءات لهذا الموقف. ففي الولايات المتحدة، كان التحالف في مرحلة ما بعد الحرب بين الحكومة ورجال الأعمال والأكاديميين سبباً في خلق رأس المال البشري والقاعدة التكنولوجية اللازمة لبناء اقتصاد ديناميكي نشط. ثم تعزز ذلك بفضل التعهد بتحقيق التفوق العلمي والتكنولوجي والإبداع، بعد إطلاق سبوتنيك في الاتحاد السوفييتي. وفي ألمانيا، أثبتت إصلاحات ما بعد عام 2000، التي أعادت ضبط إنتاجية الاقتصاد ومرونته وقدرته التنافسية، أثبتت أهميتها البالغة في تحقيق ما تتمتع به البلاد حالياً من القوة والمرونة الاقتصادية.

وعلى الرغم من هذه الأمثلة، فيبدو أن المعلقين الاقتصاديين والماليين محيرون على نحو متزايد بشأن التعافي الضعيف في الولايات المتحدة، في ظل النمو المتواضع للناتج المحلي الإجمالي والمكاسب الهزيلة في مجال تشغيل العمالة. والواقع أن تقديرات النمو هناك تم تعديلها عدة مرات هبوطاً منذ اندلاع أزمة عام 2008.

ويجري السرد السياسي بالتوازي مع هذا، ولقد سجلت دراسة حديثة (حزبية إلى حد كبير) أجرتها اللجنة الاقتصادية المشتركة التابعة للكونجرس الأمريكي الضعف النسبي الذي يعانيه التعافي الحالي. والواقع أن الاختلافات بين الموقف الحالي وفترات التعافي التي مرت بها الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب كانت ضخمة إلى الحد الذي يجعل من مصطلح ”التعافي” في سياق اليوم مصطلحاً مشكوكاً في صحته. ولكن زعماء الولايات المتحدة يتقبلون رغم ذلك نظرة دورية للاقتصاد، فيرصدون التعافي الضعيف ويلقون بالمسؤولية عن هذا الضعف على إخفاق السياسات في مرحلة ما بعد الأزمة.

ولكن رغم أن هذا النهج قد يكون مفيداً على الصعيد السياسي، فإن الاستنتاج المنطقي يشير إلى أن ما تمر به الولايات المتحدة اليوم ليس مجرد فترة من التعافي الدوري، بل إن ما يحدث اليوم أشبه ببداية عملية متأخرة من التكيف البنيوي مع اقتصاد عالمي سريع التحول، ومع نمو الاقتصادات الناشئة والمزايا النسبية المتحولة، ومع القوى التكنولوجية العاتية. ورغم أن التفكير في مثل هذه التغيرات بأي قدر من الدقة أمر بالغ الصعوبة، فإن هذا لا يجعلها ضئيلة الأهمية.

بطبيعة الحال، لا أحد يستطيع أن ينكر وجود عناصر دورية في انحدار عام 2008، ولكن هذه العناصر كانت مصحوبة بخلل في التوازن البنيوي ظل يتراكم على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية، وهو الخلل الذي لعب دوراً مركزياً في عجز الاقتصاد الأمريكي عن استعادة عافيته بطريقة دورية طبيعية.

وقد يتساءل المتشككون لماذا لم يظهر هذا الخلل المزعوم في التوازن البنيوي قبل الأزمة ما دام يعمل الآن على تعويق نمو الناتج المحلي الإجمالي وتشغيل العمالة. والإجابة ببساطة أن ذلك الخلل ظهر بالفعل، ولكن ليس في الأرقام الخاصة بالنمو وتشغيل العمالة. هذا فضلاً عن إشارات أخرى مرت دون أن ينتبه إليها أحد، أو أهمِلَت، أو اعتبرت ضئيلة الأهمية.

والقائمة القصيرة من هذه الإشارات تشمل فرط الاستهلاك (الذي أصبح ذكرى من الماضي الآن)، ونقص المدخرات، استناداً إلى فقاعة الأصول وارتفاع الديون (لأكثر من عقدين من الزمان) في القطاع القابل للتداول من الاقتصاد. وفي ظل تراجع الطلب الكلي المحلي، فإن محرك النمو الوحيد القادر على أداء وظيفته، ألا وهو التجارة الخارجية في السلع والخدمات، لا يصلح كمحرك لتشغيل العمالة.

وكان تجاهل كل هذه الإشارات سبباً في إنتاج أوهام ما قبل الأزمة فيما يتصل بالنمو المستدام وتشغيل العمالة، وهو ما يساعد على تفسير الأسباب التي أدت إلى اعتبار الأزمة، وليست الأسباب التي أدت إلى اندلاعها، الجاني الحقيقي. ولكن الأزمة لم تكشف سوى عن الخلل الأساسي في التوازن ولم تحل سوى القليل من أسباب ذلك الخلل.

إن ”الصفقة الكبرى” التي ألمح إليها أخيرا محمد العريان، الرئيس التنفيذي لشركة بيمكو، في وصفه للاستجابة المناسبة للوضع الحالي في الولايات المتحدة، لا بد أن تشتمل على خطة لتثبيت الاستقرار المالي. ولكنها لا بد أن تشتمل أيضاً على تحول نحو إطار سياسي يعكس بدقة الطبيعة غير الدورية لعمليات التكيف البنيوي الأطول أمداً، التي ستكون مطلوبة لاستعادة النمو والقدرة على تشغيل العمالة.

———————————————–

المصدر : الاقتصادية ؛ حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.http://www.aleqt.com

الخميس 08 محرم 1434 هـ. الموافق 22 نوفمبر 2012 العدد6982


أضف تعليق

التصنيفات